فصل: الخبر عن ثورة أهل سبتة بالأندلسيين ومراجعتهم طاعة السلطان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة السلطان أبي الربيع وما كان فيها من الأحداث:

لما ملك السلطان أبو ثابت تصدى للقيام بالأمر عمه علي ابن السلطان أبي يعقوب المعروف بأمه رزيكة وخلص الملأ من بني مرين أهل الحل والعقد إلى أخيه أبي الربيع فبايعوه وتقبض على عمه علي بن رزبكة المستام للإمرة فاعتقله بطنجة إلى أن هلك بها سنة عشر وسبعمائة لجمادى وبث العطاء في الناس وأجزل وارتحل في فاس واتبعه عثمان بن أبي العلاء في جيش كثيف وبنته وقد نذر به العسكر فأيقظوا ليلتهم ووافاهم على الظهر بساحة علودان فناجزهم الحرب وكانت الدائرة على عثمان وقومه وتقبض على ولده وكثير من عساكره وأثخن أولياء السلطان فيهم بالقتل والسبي وكان الظهور الذي لا كفاء له ووصل أبو يحيى بن أبي الصبر إلى الأندلس وقد أحكم عقدة الصلح وقد كان ابن الأحمر جاء للقاء السلطان أبي ثابت ووصل إلى الجزيرة الخضراء فأدركه خبر مهلكه فتوقف عن الجواز وأجاز ابن أبي الصبر بإحكام المؤاخاة واجتاز عثمان بن أبي العلاء إلى العدوة فيمن معه من القرابة فلحق بغرناطة وأغذ السلطان السير إلى ضرته فدخل فاس آخر ربيع من سنة ثمان وسبعمائة واستقامت الأمور وتمهد الملك وعقد السلم مع صاحب تلمسان موصى بن عثمان بن بغمراسن وأقام وادعا بحضرته وكانت أيامه خير أيام هدنة وسكونا وترفا لأهل الدولة وفي أيامه تغالى الناس في أثمان العقار فبلغت قيمتها فوق المعتاد حتى لقد بيع كثير من الدور بفاس بألف دينار من الذهب العين تنافس الناس في البناء فعالوا الصروح واتخذوا القصور المشيدة بالصخر والرخام وزخرفوها بالزليج والنقوش وتناغوا في لبس الحرير وركوب الفاره وأكل الطيب واقتناء الحلى من الذهب والفضة واستبحر العمران وظهرت الزينة والترف والسلطان وادع بداره متملى أريكته إلى أن هلك كما نذكر إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن مقتل عبد الله بن أبي مدين:

كان أبو شعيب بن مخلوف من بنى أبي عثمان من قبائل كتامة المجاورين للقصر الكبير وكان منتحلا للدين ومشتهرا به ولما أجلب بنو مرين على المغرب وجالوا في بسائطه وتغلبوا على ضواحيه صحب البر منهم البر والفاجر من أهله مثله وكان بنو عبد الحق قد تحيزوا لأبي شعيب هذا فيمن تحيزوا للصحابة من أهل الدين فكان إمام صلاتهم وكان يعقوب بن عبد الحق أشدهم صحابة له وأوفاهم به ذماما فاتصل به حبله واتصلت صحابته وعظم في الدولة قدره وانبسط بين الناس جاه ولده وأقاربه وحاشيته وربى بنو شعيب هذا عبد الله ومحمد المعروف بالحاج وأبو القاسم ومن بعدهم من إخوتهم بقصر كتامة في جو ذلك الجاه وهلك السلطان يعقوب بن عبد الحق فاستخلصهم يوسف بن عبد الحق لخدمته واستعملهم على مختصاته ثم ترقى بهم في رتب خدمته وأخصائه درجة بعد أخرى إلى أن هلك أبوهم أبو مدين شعيب سنة سبع وتسعين وستمائة وكان المقدم منهم عند السلطان عبد الله فاربى على ثنيات العز والوزارة والخلة والولاية وتقدم لحظوته في مجلسه كل حظوة واختصه بوضع علامته على الرسائل والأوامر الصادرة عنه وجعل إليه حسبان الخراج والضرب على أيدي العمال وتنفيذ الأوامر بالقبض والبسط فيهم واستخلصه لمناجاة الخلوات والإفضاء بذات الصدور فوقف ببابه الإشراف من الخاصة والقبيل والقرابة والولد وسودوه وخطبوا نائله وكان عبد الله قد استعمل مع ذلك أخاه محمدا على جباية المصامدة بمراكش وهنأ أبا القاسم الدعة بفاس فأقام بها متمليا راحته عريضا جاهه طاعما كاسيا تتسرب إليه أموال العمال في سبيل الاتحاف وتقف ببابه صدور الركائب إلى أن هلك السلطان أبو يوسف ويقال إن له خائنة في دمه مع سعاية الملياني ولما ولي من بعده أخوه أبو الربيع فتقتل فيه مذاهب سلفه وكان بنو وقاصة اليهود حين نكبوا باشر نكبتهم لمكانه من إصدار الأوامر ويزعمون أن له فيهم سعاية وكان خليفة الأصغر منهم قد استبقى كما ذكرناه فلما أفضى الأمر إلى السلطان أبي الربيع استعمل خليفة بداره في بعض المهن وباشر الخدم حتى اتصل بمباشرة السلطان فجعل غايته السعاية بعبد الله بن أبي مدين لن وكان يؤثر عن السلطان أبي الربيع بأنه لا تؤمن بوائقه مع حرم ذوبه وتعرف خليفة ذلك من مقالات الناس فدس إلى السلطان أن عبد الله بن أبي مدين يعرض باتهام السلطان في ابنته وأن صدره وغر بذلك وأنه مترصد بالدولة وكان يخشى العائلة بما كان عليه من مداخلة القبيل ولما كان داعيته من دواعي آل يعقوب فتعجل السلطان دفع غائلته واستدعاه صبيحة زفاف ابنته زعموا عن زوجها فاستحثه قائد الروم من داره بفاس ونذر بالشر فلم يغنه النذر ومر في طريقه إلى دار السلطان بمقبرة أبي يحيى بن العربي فطعنه القائد هنالك من ورائه طعنة أكبته على ذقنه واحتز رأسه وألقاه بين يدي السلطان ودخل الوزير سلمان بن يرزيكن فوجده بين يديه فذهبت نفسه عليه وعلى مكانه من الدولة حسرة وأسفا وأيقظ السلطان لمكر اليهودي فوقفه على براءة كان ابن أبي مدين لن بعثها للسلطان معه بالتنصل والحلف فتيقظ وعلم مكر اليهودي به فندم وفتك لحينه بخليفة بن وقاصة وذويه من اليهود المتصدين للخدمة وسطا بهم سطوة الهلكة فأصبحوا مثلا للآخرين والله أعلم.

.الخبر عن ثورة أهل سبتة بالأندلسيين ومراجعتهم طاعة السلطان:

لما قفل السلطان أبو الربيع من غزاة سبتة بعد أن شرد عثمان بن أبي العلاء وأحجره بسبتة وأجاز منها إلى العدوة ومن كان معه من القرابة كما قلناه بلغه الخبر بضجر أهل سبتة ومرض قلوبهم من ولاية الأندلسيين وسوء ملكتهم ودس إليه بعض أشياعه بالبلد بمثل ذلك فأغزى صنيعته تاشفين بن يعقوب الوطاسي أخا وزيره في عساكر ضخمة من بني مرين وسائر الطبقات من الجند وأوعز إليه بالتقدم إلى سبتة ومنازلتها فأغذ إليها السير ونزل بساحتها ولما أحس به أهل البلد تمشت رجالاتهم وتنادوا بشعارهم وثاروا على من كان بينهم من قواد ابن الأحمر وعماله وأخرجوا منها حاميته وجنوده واقتحمها العساكر واحتل بقصبتها تاشفين بن يعقوب عاشر صفر من سنة تسع وسبعمائة وطير الفوائق بالخبر إلى السلطان فعم السرور وعظم شأن الفرح وتقتض على قائد القصبة أبي زكريا يحيى بن مليلة وعلى قائد البحر أبي الحسن بن كماشة وعلى قائد الحروب بها من الأعياص عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق كان صاحب الأندلس عقد له مكان ابن عمه عثمان بن أبي العلاء عند إجازته البحر إلى الجهاد كما ذكرناه وكتب إلى السلطان بالفتح وأوفد عليه الملأ من مشيخة أهل سبتة وأهل الشورى وبلغ الخبر إلى ابن الأحمر فارتاع لذلك وخشي عادية السلطان وجيوش المغرب حين انتهوا إلى الفرضة وقد كان الطاغية في تلك الأيام نازل الجزيرة الخضراء وأقلع عنها على الصلح بعد أن أذاقها من الحصار شدة وبعد أن نازل جبل الفتح فتغلب عليه وملكه وانهزم زعيم من زعمائه يعرف بألفنش بيرس هزمه أبو يحيى بن عبد الله بن أبي العلاء صاحب الجيش بمالقة لقيه وهو يجوس خلال البلاد بعد تملك الجبل فهزم النصارى وقتلوا أبرح قتل وأهم المسلمين شأن الجبل فبادر السلطان أبو الجيوش بإنفاذ رسله راغبين في السلم خاطبين للولاية وتبرع بالنزول عن الجزيرة ورندة وحصونها ترغيبا للسلطان الجهاد فتقبل منه السلطان وعقد له الصلح على ما رغب وأصهر إليه في أخته فأنكحه إياها وبعث بالمدد للجهاد أموالا وخيولا وجنائب مع عثمان بن عيسى اليرنياني واتصلت بينهما الولاية إلى مهلك السلطان والبقاء لله وحده.